وكيف تقوم بشؤونه وترعى بيته وتهتم به وهي بهذه العاهات؟ ولكنه حزم أمره وبت فيه وقال: أصبر عليها في الدنيا ولكن أنجو من ورطة التفاحة يوم القيامة، ثم توجه إلى صاحب البستان وقال له: يا عم لقد قبلت ابنتك وأسال الله أن يجازيني على نيتي وان يعوضني خيرا مما أصابني، فقال صاحب البستان: حسنا يا بني موعدك الخميس المقبل عندي في البيت لوليمة زواجك وأنا أتكفل لك بمهرها.
فلما كان يوم الخميس جاء هذا الشاب متثاقل الخطى، حزين الفؤاد، منكسر الخاطر، ليس كأي زوج ذاهب إلى يوم عرسه فلما طرق الباب فتح له أبوها وادخله البيت، وبعد أن تجاذبا أطراف الحديث قال له: يا بني، تفضل بالدخول على زوجتك وبارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير، وأخذه بيده وذهب به إلى الغرفة التي تجلس فيها ابنته، فلما فتح الباب ورآها، فإذا بها فتاة بيضاء أجمل من القمر، قد انسدل شعرها كالحرير على كتفيها، فقامت ومشت إليه فإذا هي ممشوقة القوام وسلمت عليه فإذا بصوتها عذب جميل، وقالت السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا زوجي، فوقف هذا الشاب في مكانه يتأملها وكأنه أمام حورية من حوريات الجنة نزلت إلى الأرض وهو لا يصدق ما يرى ولا يعلم ما الذي حدث ولماذا قال أبوها ذلك الكلام، ففهمت البنت ما يدور في باله فذهبت إليه وصافحته وقبلت يده وقالت: إنني عمياء عن النظر إلى الحړام وبكماء عن النطق بالحرام وصماء عن الاستماع إلى الحړام ولا تخطو رجلاي خطوة إلى الحړام، وإنني وحيدة أبي ومنذ سنوات وأبي يبحث لي عن زوج صالح، فلما أتيته تستأذنه في تفاحة وتبكي من اجلها قال أبي: إن من ېخاف من أكل تفاحة لا تحل له حري به أن ېخاف الله في ابنتي، فهنيئا لي بك زوجا وهنيئا لأبي بنسبك، وبعد عام أنجبت هذا الفتاة من هذا الشاب غلاما كان من القلائل الذين مروا على هذه الأمة، غلاما نافذ الذكاء، قوي الحجة، فطنا، غلاما كان له شأن كبير، وبارك الله له في علمه، وثبت رأيه، فكان من الأئمة النادرين الذين حفظ الناس فقههم، واشتهر مذهبه في الارض، أتدرون من ذلك الغلام؟ انه الإمام أبوحنيفة صاحب المذهب الفقهي المشهور...